الأحد الثاني من الصليب
قلّة الإيمان مبعثُ شكوك للآخرين (متى 17: 14 - 21)
سجدَ والد الصبي أمام ربّنا يسوع يشكو حالة إبنهِ طالبا الرحمة ومُعاتباً عدم قُدرة تلاميذه على مساعدتهِ، فطلب ربّنا يسوع منه أن يُحضِر الصبي فشفاه، وكشفَ لتلاميذه عن قلّة إيمانهم، والذي صارَ مبعث شكّ للآخرين. لم يتمكنّوا من شفاء الصبي، ولم يتوجهوا، مثل والده، نحو ربّنا لطلبِ العون في مثل هذه الأوقات، بل تركوه يُعاني، أما والد الصبي، فلم يتراجع أمام فشلِ التلاميذ، فبيّن عن إيمان راسخ مُصلياً: "يا ربّ إرحم إبني". آمن أن لربنا يسوع القُدرة على شفاء إبنهِ، فواصل البحث وألحَّ في الطلب حتّى نال ما أرادَ.
نحن مثل والد هذا الصبي، نختبر صعوباتٍ كثيرة، ونواجه تحديّات الإيمان ونريد العون ولا نجدّه، ولكننا مراراً ما نتراجع والحزن يملاء قلوبنا متسائلين: "أين أنت يا ربُّ؟" "ألاَّ ترى ما أعانيهِ من أزماتٍ وصعوبات؟" والد الصبي يُعلّمنا الصلاة الحقيقية في مثل هذه الأوقات: "إرحمني يا رب، فإني عاجز عن فهِم إرادتِك في حياتي. صليبي مُتعِب، فالصعوبات تُحيط بي، وغيابُك يُرهقني، هب لي نعمة الإيمان".
الإيمان قادرٌ على نقل الجبال، ها هي ذي الأم تريزا إنموذجٌ إيمان الذي نقل جبالاً من الألم والعذاب الذي أصاب كثيرين بإيمانها بالله الذي دعاها، وبالمحبّة التي إحتضنت بها المُهَمشين والمعذبين والفقراء والمرضى، ليس فحسب، بل جعلت كثيرين يستيقظونَ على نداء خدمة أفقر الفقراء، فأضحت أم الفقراء. لقد قدمّت لربنا ألم الآخرين وعذاباتهم، فحضيت بنعمة الثبات، فكان لها العون حتّى في الوقت الذي شعرت أنها تعيش في ظلمةِ "الطريق" متسائلةً: "ماذا تُريد منّي يا ربُّ؟" إيماننا قادرٌ على تغيير العالم من حولنا.
ولكن هل تسألنا نحن المسيحيين، تلاميذ ربّنا يسوع عن أثر وتأثير "قلّة إيماننا وضعفِه" في حياة مَن هم من حولنا؟
بعضنا يُفكّر أن الإيمان قضية شخصية: "أنا وربّي"، من دون أن يعي حقيقة أن قلّة إيماننا له أن يُسبب حرجاً وشكوكاً كبيراً لربنا يسوع. والد الصبي له كل الحق في أن يُفكر في مدى مصداقية رسالة ربّنا يسوع، أين قُدرتُكَ في تلاميذَكَ؟ قدّمته إلى تلاميذ فلم يقدروا أن يشفوه، مع أنكَ وهبتَ لهم طرد الشياطين. وهذا يعني، أن ألمَ العالم ليس بسبب غلبة الخطيئة، بل بسبب قلّة إيماننا وتراجعنا أمام الإلتزام بمسؤوليات إيماننا، فالعالم يتألم لأننا كمسيحيين لسنا مؤمنينَ كما يجب. لسنا مؤمنين الى درجة أن نُرضي إلهنا.
لذا فقد ربطَ ربّنا يسوع المسيح الإيمان بالصلاة. فالتلاميذ كانوا واثقين من قدرتهم على شفاء كل الأمراض، حتى أنهم نسوا الله. ظنّوا أنهم قادرونَ على طردِ الشيطان من دون الصلاةِ إلى الله الذي أنعمَ عليهم بهذه الدعوة. الإيمان بالله هو العلاقة مع الله، وهذه العلاقة تحيا بالصلاة إليهِ دوماً واستحضاره في حياتنا. وكثيرة هي المرات التي نتناسى فيها ذكرَ الله مُعتمدين على قوّتنا وذكائنا فحسب. يروي لنا آباؤنا الروحيون أن أباً كان ينظر إلى طفله ِالصغير وهو يُحرّك حجرةً كبيرة وتبيّن أنه غير قادر على ذلك فبدأ بالبكاء! سألهُ أبوه: هل جرّبتَ كلَّ قوتِكَ يا بُني؟ فأجاب الطفلُ: نعم يا أبي! فردَّ أبوه ولكنّك لم تسألني المُساعدة. وصلاتنا هي دعوتنا ليكونَ إلهنا سيّدَ حياتنا دوماً، وإلا فعالمنا سيبقى رازحاً تحت آلام كثيرةٍ.
إيماني يجب أن يكون إلتزاماً حتى المنتهى فأحمل الآخرين إلى ربّنا يسوع، فأكون لهم سنداً وقت الأزمات، وأسعى جاهداً أن لا أكون حجرة عثرة في حياتهِم "فلا نُشككهم". ربّنا ينتظر منّا أن نَعِظَ بمثلِ حياتنا الصالِح، فنكون طريقاً صادقاً للآخرين يحملهم إلى الله. أن نكون مؤمنين بيسوع يعني أن نُفكر مثله، ونشعر مثله، ونسلُك مثله، فشهادة الحياة موعظة حيّة. فلنُصل إلى ربّنا ليرحمنا ويهبَ لنا نعمة الثبات وقتَ التجارب والأزمات، وشجاعة الشهادة له ولحضوره المُحِب، ولا نكون يوماً حجرَ عثرةٍ للقريب بسبب قلّة إيماننا أو ثقل الصليب الذي نحملهُ.