الأحد الثالث من إيليا
لا للكسل والتراخي (متى 13: 24- 43)
"ولمّا نام الناس جاءَ عدّوهُ وزرعَ زواناً في وسط القمحّ"ِ.
يقول المُزمّر إن الله "لا ينام ولا يَوسِن" (مز 121: 4)، وكذلِك الإنسان الذي يبحث عن إتمامِ إرادة الله في حياتهِ ليجعلَ حضورهُ واقعا ملموساً، فهذا الإنسان لن يهبَ لعينهِ نوماً (مز 132: 4- 5)، وهو ليس مثل الإنسان الكسول الذي لا يُفارِق سريرهِ فيقع في العوز (أمثال 6:: 6- 11)، أو مَن يتهّرب من تحمل مسؤولية دعوته مثل يونان النبي (يونان 1: 5)، وإيليا (1 ملوك 19: 4- 8)، أو الرُسل الثلاثة الذين اختارهم ربّنا يسوع ليرافقوه عندما كان يُصلي في بستان الزيتون (مر 14: 34، 37، 40).
هكذا، وبينما الناسُ نيامٌ جاء العدو وزرعَ الزؤان وسط الحقل ومضّى، وعوضَ أن يُقدِم عبيد ربّ البيت إعتذاراهم وتأسفهم على أنهم لم يسهروا ليحرسوا الحقل، جاؤوا يُلقونَ اللومَ على سيّدهم قائلين: "لم يكن زرعاً جيّداً الذي زرعتَ". وكشفَ ربُّ البيت عن طيبتهِ فلم يُحاسبهُم على كسلهم وإهمالهم أو على إفتراءهم، فكان مُحباً ليس فحسب، بل صبوراً فطلبَ منهم أن يتريثوا فيما هم مزمعونَ عليهِ: "دعوهما ينميان كلاهما معاً".
جميعاً يسأل: "إن كان الله قد خلق الأرض والإنسان بشكل حسن، فمن أينَ الشر؟
ويُجيبُ ربّنا يسوع: عندما يغفلُ الإنسان وينام ولا يتحمّل مسؤوليتهُ في أن يحرُسَ الأرضَ، عندها يغيبُ الخير وينتشّر الشر على الرُغم من أنه لن ينتصّر. الكسل والتراخي تجربةٌ تتحدّى الإنسان، وسيكون سبب فساد القمحِ الصالِح، لذا، وجبَ السهر واليقظة دوماً لئَلا يفسدَ الخير الذي زرعهُ الله في فينا.
ولعّل أعظم التجارِب التي تتحدانا هي تجربة الدينونة والحكم على الآخرين مثلما أقترح العبيد: "أتُريد أن نذهبَ ونجمعهُ؟" فينا جميعاً هذه الرغبة في تطهير العالم من الفاسدين والمفسدينَ إنطلاقاً من أحكامنا، فنتعجّل الأمور، ونحكمُ على الناس مما يبدو عليهم في الظاهِر. ربّنا يُعلّمنا اليوم قائلاً: "تمهلوا واصبروا إلى يومِ الحصاد، يوم الدينونةِ". إلهنا إلهُ صبور طويل الآناة وكثير الرحمة ويعطي الفرصة الثانية والثالثة ليتوبَ الإنسان ويعودَ إليه. صبرُ الله يعني إنتظاره توبة الإنسان وعودتهِ إليه، فإذا كان الله ينتظر الإنسان، تُرى ما الذي ينتظره الإنسان في حياتهِ؟
نحن مسيحيون، يعني إننا حُراسُ العالم ليبقَ حسناً، نحن ملحهُ ونورهُ. هذه الحراسة تتطلّب منّا اليقظة والتنبّة وتعلّم الإنتظار. الإنسان يعتقد متوهماً أن بإمكانهِ أن يصنعَ كلَّ شيءٍ، لذا، لم يعد ينتظر من الله شيئاً، ولكنه سُرعان ما يتفاجئ بمُباغتةِ العدو له، فيُفسِد حياتهُ.
هناك زؤوان كثير زُرِعَ في حياتنا وفي قلوبنا من جراء كسلنا وتراخينا، ونحن مدعوون اليوم لأن نتحلّى بالشجاعة ونُقِرَ بوجوده وبمسؤوليتنا الكاملة عنهُ. ربّنا يدعونا لأن نسأل أنفسنا: "أوَ لم نسمحَ بتراخينا وكسلنا للعدو لأن ينسلَ بيننا ويزرعَ سمومهُ في قلوبنا وفي عوائلنا وكنائسنا؟ ألم نسمح له بإنشغالنا عن عوائلنا بأن يزرعَ أفكاره الخبيثة في عقول أبناءنا؟ إهتمامنا بأنفسنا جعلنا أنانيين لا نُفكِر إلا في راحتنا فصرنا نسمعُ تلَك الأصوات التي "تهمُس" في آذاننا: ما نفعُ الإيمان وما نفعُ الكنيسة؟
لربنا يسوع بشارة اليوم، فهو لا يُقول لنا كيف يُمكن القضاء على الشر، بل يُبشرنا: مَن هو إلهنا وخالقنا الذي نعبدهُ؟ هو الله محبّة، ولأنه محبّة فهو إله الإنتظار والصبر والغفران، صحيح إن الزؤوان لن يُصبحَ قمحاً جيداً، ولكن الإنسان الخاطئ يُمكن أن يُصبحَ قديساً، وإن في تاريخ الكنيسة أمثلة كُثر. إلهنا يعرِف خفايا القلوب ويفهَم ضعفنا وعنادنا، وهو يعرِف أن فيها بصيصٌ من الخير له أن ينمو بالمحبّة. لذا، ينتظر إستيقاظنا.
ولربنّا بشارة أخرى، فواقع الملكوت سينمو ويعظم ويتغلّب على الشّر، فقداسة شخص واحد لها أن تُغيّر حياة كثيرين، هي مثل حبّة الخردل والخميرة التي تُخمّر العجينة كلّها. وعلينا أن لا نيأس من هولِ الشرِ وجسامة الخطيئة في العالم، بل، ننفتح لنعمة الله المُخلِصَة.
فعلى خُطى التلاميذ لندخل مع ربّنا يسوع إلى البيت، ولنسألهُ بتواضع: "إهدنا وعلّمنا وأرشدنا إلى الطريق لنفهَم بشارتِكَ. دخول البيت والبقاء مع ربّنا يسوع سيقوينا ويعضدنا في مسيرة حياتنا ويجعلنا لا نُسرِع في الحكم ودينونة الآخرين، ولا نغضَب أمام مشاهدِ الشر مهما كانت مُحزنة، بل نكون مثل إلهنا، نسهَر ليكون عالمنا أرضاً طيبة للعيش، وهذا يحتاج إلى الكثير من المحبة والإيمان بإلهنا الرحوم. وهناك خطأة كثيرون آمنوا بالبشارة وفتحوا قلوبهم ليُقدسهم الله ويُقدِسَ العالم من خلالهم.
لنُصلِ يا إخوتي وأخواتي ليمنحنا إلهنا نعمة الصبر، أن نكون صبورين مع أنفسنا مع الآخرين ومع الله. أن يهبَ لنا نعمة رؤية الناس لا من خلال أفعالهم، بل من خلال عيونهِ هو، عيون المحبة والرحمة والغفران. فالأم تريزا، والتي رفعتها الكنيسة قديسة على مذابحها كانت تقول: "إذا دُنتَ الناس فلن يكون لك وقت لتُحبهُم".