المواعظ
%AM, %25 %323 %2017 %09:%شباط

الأحد الأول من الصوم الكبير - "لا تُجّرب الربَّ إلهُك"

كتبه
قيم الموضوع
(1 تصويت)

الأحد الأول من الصوم الكبير 

"لا تُجّرب الربَّ إلهُك" (متى 3: 16 – 4: 11)

نبدأ اليوم زمناً طقسياً مُباركاً تدعونا فيه أمنا الكنيسة أن نستعد للسير خلف ربّنا يسوع المسيح وهو يدخلُ سر آلامهِ وموتهِ طاعةً لله الآب ومحبةً بنا نحنُ الخطأة. يتقدّمنا ربنا في هذا الطريق حاملاً صليبهُ ويدعونا لنتشجّع نحن أيضاً لنحمل صليبَ التخلّص من خطيئتنا التي تأسُرنا وتُبعدنا عن محبّة الآب، فنقاوم بمعونة روحهِ القُدوس إغراءات المُجرّب التي تُريد أن تُفسِد جمالَ الدعوة والحياة التي دعينا إليها. ففي زمن الصومِ المُبارَك، تدعونا أمنّا الكنيسة لنكون صادقينَ مع أنفسنا ونعرِض حياتنا لتكون تحت أنوارِ الروح القُدس فتنكشِف أمامهُ ونسمح له بأن يشفينا من أمراضنا التي نحن واعونَ لها، أو تلك التي تختبأ تحت مُسميّات أخرى، وهي الأخطر عادة، لنكون أحراراً لخدمتهِ هو، الإله الأوحد الذي يستحق العبادة والسجود له. 

إنجيل اليوم يُعلِن أن الروح القُدس هو الذي قادَ ربّنا يسوع إلى البرية ورافقهُ حتّى نجحَ في فضحِ أكاذيب المُجرّب الذي إستعانَ بنصوص الكتاب المُقدس ليُغريَّ ربّنا يسوع، فأنتصرَ حيثما فشِل أبوينا آدم وحواء والشعبُ الذي حررهُ الله من مصرَ العبودية. لقّد حوّل ربّنا البرية التي شهِدَت لعناية الله بشعبهِ وعصيان الشعب وتمردهِ إلى واحةِ المُصالحة والسلام. فإنجيل مرقس يُحدثنا أن ربّنا يسوع، وبعد أن قاومَ المُجرب كان مع الوحوش وكانت الملائكة تخدمهُ في إشارة واضحة إلى أنه أعادَ حياة الفردوس التي خسرها أبوينا آدم وحواء بعصيانها. تغلّب ربّنا يسوع على تجارب الشهوة: شهوة العين وشهوة الجسد وشهوة التسلّط لأنه إتكلَ على محبة الله، وعندما وضع َالله أولاً في حياتهِ، إنتظمَ كلُّ شيٍ، فإذا به حسنٌ جداً. 

ولأننا نحتفلُ بسنة الرحمة، تدعونا أمنا الكنيسة لأن نُنعِش صومَنا بالتأمل في كلمة الله وبالصلاة وأعمالِ الرحمةِ والتي تُعبّر عن المحبّةِ التي فينا. فنُصلي ونتأمل في كلمة الله لتكتمِل المُصالحة التي بدأها الله معنا بيسوع المسيح، ونُحسِن إلى القريب من خلال أعمال الرحمة، فنُصلِح العلاقة معه، والتي أفسدناها عندما فضّلنا المواهِبَ والعطايا على الواهِب (الله) وعلى القريب. في زمن الصوم نحن مدعوون إذن لنخدُم المحتاج إلى الرحمة إن كانت حاجتهُ جسدية أو روحية تمجيداً لله من دون أن نطلُب شُكراً أو مديحاً بحثاً عن الشُهرةِ. بل نُقدِم صومناً تمجيداً لله وتقديساً لأسمهِ القدوس، هكذا نُحقق حُريتنا الحقيقية. من الممكن أن تُصلي وتتصدّق على الآخرين وتُقدم لهم الإحسان والرحمة من دون أن تُحبهُم حقيقة، لأننا قد نكون أسرى "أنانيّتنا" فنستغلُ حاجة القريب لإشباعِ رغباتنا في البحث عن تمجيد إسمنا ومكانتنا، فالإنسان يُصبح ما يعبدهُ على حدِّ تعبير أحد أحد الآباء الروحيين. 

نُريد اليوم خاصة أن نسأل ربّنا أن يُعيننا لنقاوم تجربة البحث عن حياة "سهلة وممتعة" من دون جهدٍ أو تعبٍ، وهي التجربة التي قاومها ربّنا قائلاً: "لا تُجرّب الربَّ إلهَك". أساسُ هذه التجربة هو إعتقادنا الخاطئ من أن الله موجود ليُلبي حاجاتنا متّى ما شئنا، متناسين دعوتهُ لنا في أن نكون قديسين، والقداسة تتطلّب جهداً كبيراً للتخلص من كل الإرتباطات التي تشّدنا إليها وتستعبدنا: الاغتناء والسلطة والشُهرة ... آلهةُ هذا العصر. إلهنا ليس مستودع خدماتٍ، بل أبٌ يرافقنا ويُريد أن يكون إلى جانبنا في مسيرتنا نحو تحقيق حُريّتنا، وحُريتنا تكون عندما نضع كل الأمور في مكانها الصحيح، فالمخلوقات مخلوقاتٌ مهما عظُمَت وكبُرت. 

فلنضَع صومنا تحت أنظار الآب الرحيم في، طالبينَ منه أن يُعيينا لنفتح أبواب قلوبنا لروحهِ القُدس ليقودَ خُطانا، فمن دون عون الروح القُدس لا يُمكننا التغلّب على أكاذيب المُجرّب وأوهامهِ. الروح القُدس وحدهُ قادرٌ على أن يُساعدنا لنقِفَ أمام الله حاملين له إنسانيتّنا الضعيفةَ والمُضطرِبة بالكثير من الهموم والأزمات ليُبارِكها إلهنا بفيض محبتهِ. ففي صومنا هذا نُريد أن نُصلي إلى الله قائلين: أيُّ خطيئةٍ تُريدُ منّي أن أقدمها لك في هذا الصوم فأتخلّص منها إلى الأبد؟ قد لا تكون هذه الخطيئة سلوكاً أو كلماتٍ تعوّدنا أن نقولها، أو موقفٌ إلتزمنا به ضد هذا أو ذاك. قد تكون هذه الخطيئة حُزناً أو غضباً نحملهُ ولا نُريد التخلّص منه لأننا نخافُ هذا التحرر. لا يُمكننا أن نفهَم معنى آلام ربّنا يسوع من دون الإقدام على هذه الخطوة التي ستجعلنا نتعذب ونتألم. 

اليوم، يدعونا ربّنا يسوع المسيح إلى ممارسة الصلاة والصومُ والصدقة فهي تعابيرٌ حقيقية عن إيماننا بالله لأننا نُقدمها بفرحٍ وإمتنانٍ لله الذي أحبنا وعلينا أن نُحبهُ من خلال محبتنا للمُحتاج. ربّنا يسوع جعلَ من الصلاة والصوم والصدقة أعمدة الحياة الدينية الصادقة (متّى 1- 18)، فنصلي في الخفيةِ ونصومُ في الخفية ونتصدّقَ في الخفيةِ، ففي صدقتنا نقتربُ بنزاهة من القريب بمحبةٍ صادقةٍ وهذا القُربُ كفيلٌ بأن يُقرّبنا من الله، وكانَ أحد الآباء الروحيين يقول: كلّما وُجِدَ فقيرٌ أو تعيس، فأعرف أن الله واقفٌ عن يمينهِ. في الصدقة نُعلنُ أننا لسنا متعلقينَ بما وهبهُ الله لنا، بل نحن مستعدون لنتقاسمهُ فرحاً مع القريب، لأننا نعرِف أننا لسنا قادرين على أن نأخذ أموالنا معنا إلى السماء ولكن يُمكن لنا أن نُرسلها لتسبقنا. فليقبل منّا ربّنا وإلهنا صومنا هذا العام، وليُباركنا بأن يُحررنا من كثرة التعلّقات التي كبّلت حياتنا وأسرتنا. من دون هذه الموقف سيكون صومنا تجربة أخرى نلتفتُ فيها نحو أنفسنا في كبرياء فارغ، وهو ما سعى إليه المُجرّبُ مع ربّنا يسوع: أنت لست بحاجةٍ إلى الله، وأنتصر عليه ربّنا قائلاً: للربِ إلهِكَ تسجد وأياه وحده تعبُد". 

 

IMG 3964

قراءة 69915 مرات آخر تعديل على %AM, %25 %333 %2017 %10:%شباط

4529 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *