المواعظ
%AM, %28 %156 %2017 %05:%كانون2

الأحد الرابع من الدنح - "إفعلوا ما يأمركم به"

كتبه
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الأحد الرابع من الدنح

 "إفعلوا ما يأمركم به" (يو 2: 1-11)

لاحظت اُمنا مريم أن هناك عوزاً في الخمرِ في العُرس الذي دُعيت إليه مع ربّنا يسوع إبنها وتلاميذهُ، فشعرت بالحرج الذي سيختبره أهل العُرس، فما كان لها إلا أن ترفعَ الصلاة إلى ابنها وتعرض المُشكلَة: "لم يبقَ لديهم خمرٌ!" مؤمنةً أنه قادرٌ على إدامةِ الفرحةِ، لأنها هو المسيح، بُشرى الله لنا، فأوصت الخُدام: "إفعلوا ما يأمركم به، فكشفَت لنا عن هوية إبنها: إنه الله الذي يجب أن يُطاع. لقد ولدتهُ للعالم في ذلك العُرس، وعرّفته للتلاميذه، فأظهرَ مجدهُ وآمنوا به، فولدَت الكنيسة بإيمان مريم بقُدرة الله في ربّنا يسوع المسيح. في صلاتها له اليوم، إعترفت به "إلهاً" مؤمنة بأنه قادرٌ على أن يحوّل حياتنا إلى فرحٍ دائم، وستُرافقهُ وتقف عند صليبهِ واثقة من أن الله لن يتركَ الكلمة الاخيرة للخطيئة، لأنه عازمٌ على أن يتدخّل ويُديمَ الحياة لنا، ويحوّل عصيان الإنسان وتمرده إلى فعل إيمان وطاعة، ليكونَ الخلاص شاملاً والغفران نعمةً. 

حملتنا أمنا مريم بما فينا من نقائص وعوزٍ وخطايا وجعلتنا في يدي إبنها، وعلّمتنا معنى أن نؤمِن؟ أقبل دعوة الله لك وكُن خادماً أميناً له. سلّم له  حياتَك وأطعهُ في كلَّ ما يأمرُكَ به. إلهنا رحوم، ورحمتهُ من جيلٍ إلى جيلٍ لمَن يتقيهِ (لو 1: 50) فكُن مُستعداً لأن يكشِفَ فيك ومن خلالِك رحمتهُ، مهما كانت مُتطلّبة. هذا هو الإيمان الذي نفتقده مراراً كثيرة في حياتنا. إيمانٌ يبدأ عندما نُبالي بألمِ الناس وحاجاتهم، ونشعر بأحزانهم وهمومهم، ويرغب صادقاً في مُساعدتهم، فننسى حاجاتنا وألمنا، ونجعل من حاجات الآخرين أولوية في حياتنا فنرفعها في الصلاة إلى الله أبينا، ونمد أيدينا لنُعينهُ في مساعدة المحتاج. أمنا مريم لم تقف مكتوفة الأيدي أمام ضيق أهل العُرس، مثلما لم تتراجع أمام دعوة الله لها لتحملِ للعالم يسوع المسيح، وجه رحمتهِ، بل آمنت ووضعت نفسها في خدمة الآخرين. وهي تدعونا اليوم لنؤمن وأولُ أفعال الإيمان هو أن يكون لنا نظرةٌ تُبالي بما يُؤلِمُ الناس، ونهتَم بحاجاتهم، ونسعى إلى مُساعدتِهم. 

هذا هو فعل الإيمان الأصيل. ربّنا يُريد منّا إيماناً مثلُ إيمانِ أمنا مريم يطلُب المُستحيل. إيمانٌ يُظاهي إيمانَ الخُدام الذين أطاعوا أوامر غريبةً للوهلة الأولى: ملءُ الأجاجين ومناولة رئيس المُتكأ. لم يسألوا عن معنى هذه الأوامر ولم يخشوا سخرية الناس، بل فعلوا ما أمرهم بهِ ربّنا فكانت الدهشةُ عظيمةً.

تقفُ مريم اليوم لتكون حواء الجديدة التي تقودنا إلى إلهنا في فعل طاعةٍ تامّة عارفةً أنه يُحبنا وأن العالم بحاجة إلى نظرة الله الرحومة، وإلى لمسته الحنونة، فحياتنا من دون لمسة الله حياة حزينة فارغة، وسُرعان ما ينفذ الفرح (الخمرُ) منها. حياتنا من دون يد الله حياة لا عيدَ لها لأن فرحتها ناقصة، حياتنا من دون نظرة إلهنا حياة أنانية لا عطاءَ فيها، لذا، فنحن بحاجة دوماً إلى أن نلتفِتَ إلى الله ليُبارك حياتنا، ونُقدم له فراغها ليكونَ فرصةً ليُظهِرَ مجده. وظهور مجد الله اليوم لم يكن مُرعبا أو مُخيفاً، ولم يقف ربّنا يسوع ليوبّخ أهل العُرس على نُقص تدبيرهم، بل مدّ يدهُ ليُبارِك الفرح بمزيد من الحنان، ويُؤكِد للإنسان أن الآب يُؤيد عودة الإنسان إليه ليُبارِك حياتهُ ويُديم الفرح عليه.  

يُريد ربّنا أن يكونَ حاضراً بيننا، ويحب أن يُباركَ حياتنا، ولكنه ينتظر مجيئنا إليه، وينتظر أن نمُدَّ إليه أيدينا لنُساعده في خدمة الناس الذين َيُعانونَ الضيقَ والحاجة والألم والحزنَ. ليس لربّنا إلا أيدينا لتخدم فقراء الأرض ومعوزيها. ليس لإلهنا سوى حياتنا بكل ما تحمله من فقر ومحدودية، ليتدخّل مدافعاً عن المظلومين. ليس لربّنا إلا صوتنا الضعيف ليُبشّرَ بخلاصهِ بين شعبه. ربّنا يطلب منّا أن نتناول ما يُقدّمه هو لنا: ناولوا رئيسَ المُتّكأ ... فلا يُريد أن يبقَ بعيداً عنّا، ولكن يودُّ أن نعرفه، وأن نقترِبَ منه وأن نشربهُ، وهو لا يرفض ولا يستهزئ بما لدينا من إمكانياتٍ ومواهب ضئيلة: "ستُ أجاجينَ فارغة"، بل يأخذها ويُباركها ليكونَ فيها حياةٌ وحياةٌ وافرة. فمن دون هذا التعرّف وهذا الإقتراب لا يُمكن لنا ان ننعَمَ ببركة حضوره، إذ لا يكفي أن يكون ربّنا حاضراً بيننا، ولا يكفي أن يكون الكتاب المقدس في بيوتنا، بل علينا أن نأخذه، نقبلهُ، نؤمن بأن لنا فيه الحياة، والحياة بوفرةٍ. فلنتشجّع ونفعل ما يأمرنا به، مؤمنينَ به طريقاً وحقاً وحياة. 

فلنحمل إلى الله أبينا أجاجيننا الفارغة مؤمنينَ أنه سيملأها بنعمتهِ. لنحمل إلى الله حياتنا ولنلتمِس منه أن يجعلها حياة خدمةٍ لكلّ الأخوة والأخوات الذين نلتقيهم. لنُصلِّ على نحو خاص من أجل كل إنسان يشعر "بفراغ حياتهِ من الفرح" ليتشجّع ويضعها أمام أنظار ربّنا ليُباركها بحنانهِ. لنُصلِ من أجل كل العوائل التي تشعر بنفاذ الفرح في بيوتها، ولكنّها نسيت أن تعرِضَ حاجتها أمام الله. لنُصلِّ إلى الله أبينا ليجعلنا على مثال مريم واسطة خيرٍ وفرحٍ في كلِّ أزمة نختبرها أو يختبرها قريبنا، فنضعها أمام عناية إلهنا ليُباركها بحضوره وكلمتهِ الحيّة.

 

IMG 3516

قراءة 56286 مرات آخر تعديل على %AM, %28 %166 %2017 %06:%كانون2

3655 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *