المواعظ
%AM, %21 %333 %2017 %10:%كانون2

الأحد الثالث من الدنح - "هذا هو حملُ الله الحامل خطايا العالم"

كتبه
قيم الموضوع
(1 تصويت)

الأحد الثالث من الدنح

"هذا هو حملُ الله الحامل خطايا العالم" (يو 1: 29- 42)

شهِدَ يوحنا عن يسوع أمام تلاميذهِ: "هذا هو حملُ الله الحامل خطايا العالم"؟ وما خطيئة العالم؟  

"خطيئة العالم" هي رفض حضور الله في حياتهِ متوهماً بأنه "ليس مُحتاجاً إلى الله وهو قادرٌ على العيش من دون الله"، فلم يُصغِ إلى كلمتهِ ولم يقبل النور الآتي إلى العالم، بل أرادَ الإنغلاق على ذاتهِ. "خطيئة العالم" هي قسّوة قلبِ الإنسانِ وكبرياه وتشامخهُ وعجرفتهُ وغرورهِ والتي قادته وتقودهِ يومياً إلى أن يُصدّق الكذبة التي خدعَ بها المُجربُ أبوينا الأولين: "لن تموتا، ولكنَّ الله يعرف انكما يومَ تأكلانِ من ثمر تِلك الشجرة تنفتح أعينكما وتصيران مِثلَ الله تعرفان الخير والشر" (تك 3: 4). كذبةٌ هي سببُ تيهِ الإنسان وضياعهِ. أصلُ كل الشرور التي تُدمّر إنسانيتنا: الطمع والسرقة والكذب والجشع والزنى والحسد والأفكار الخبيثة ... خطايا تشوّه إنسانيتنا المخلوقة على صورة الله ومثالهِ، والله محبّةٌ. "خطيئة العالم" هي رفضهُ أن يكون صورة الآب الرحوم، فعدد الفقراء والمُشردين والمظلومين في زيادة. خطيئة العالم هي فقدان العالم، الشعور بالخطيئة ومحاول الاختباء منها أو التهرّب من مسؤولياتها. فإن سمعنا لشهادة يوحنا، فعلينا أن نقبل حقيقة "خطيئة عالمنا، وخطيئتنا"، ونبقى مع يسوع الذي يُنادينا: "تعاليا وأنظراً"!

شهد يوحنا لربّنا يسوع المسيح عندما أعلنَ "هذا هو حملُ الله الذي يرفع خطيئة العالم". سَمِعَ اثنان من تلاميذه شهادته، فتبعا ربّنا يسوع بناءً على هذه الشهادة التي جاءت من فمٍ موثوقٍ به. لقد تركا مُعلّمهم الأول، يوحنا المعمذان ليتبعا يسوع. يوحنا موجود ليُشيرَ إلى ربنا يسوع وعليه أن ينقُص ليزيد ربّنا ففيه الخلاص، فيختفي أمام ربّنا يسوع المسيح ليتركَ المجال كلّه للخلاص الآتي بيسوع المسيح. والخلاص يكون بالبقاء مع يسوع وليس السماعَ عنه فحسب. ربّنا يسوع المسيح يُعرِّف نفسه بطريقتهِ الخاصّة: "تعالَ وأنظر"، تعالَ وابقَ معي، تعلّم منيّ، فأن تكون مسيحي يعني أن تكونَ بقربِ الربِّ يسوع وأن يشهد الناس أنّكَ بقربِ يسوع، أن يكون لربّنا يسوع تأثيرٌ واضحٌ على حياتك، ويلاحظ الناس ذلك.

وجه ربّنا هذه الدعوة إلى التلاميذ الأولين فغيّر حياتهم من متفرجين ومُعجبينَ إلى رُسلٍ يتبعونَهُ ويسيرون في اثره، مُبشرينَ بالخلاصِ الذي اختبروه لأنهم بقوا معه على الرغم من عدم الإيمان الكامل والفهم الشامِل، على الرغم من الرفض والضيق والإضطهاد الذي اختبروه في حياتهم بسبب اتباعهم الرب. نحن مثلهُم نُفتّش عن يسوع المسيح، ونبحث عن خلاصنا، وفي لحظة لا نتوقّعها يأتينا صوت الله ليسألنا: ماذا تُريد؟ ماذا تطلب! ومعه تأتينا دعوة: تعالَ وانظر! إيماننا المسيحي لا يُبنى على أساس مجرد السماع عن يسوع أو إعجاباً به، بل اقتفاء اثره بأمانةٍ وإخلاص رغم المُضايقات والإضطهادات، وهذا يمنحنا الآمان في وقت الشدائد. يُروى عن أبٍ كان يودّع إبنه الذاهب إلى الحرب، فأوصاه قائلاً: يا بُني لا تتركهم يقتلوكَ! فسألهِ الأبنُ: يا أبي نحن ذاهبونَ إلى ساحة الحرب، ولسنا ذاهبين إلى ساحة لعبٍ ولهو، فكيف تطلب مني أن لا اتركهم يقتلونني؟ فأجاب الأب قائلاً: يا بُني كُنَ بجانب القائد، رافقه أينما يذهب وستنال حماية أكبر.

السؤال اليوم: ما الذي غيّرته شهادة يوحنا في حياتنا؟ نحن مع ربّنا يسوع لسنواتٍ طويلة، هل سمحنا له بأن يُغيّرنا فيجعلنا مثلهُ؟ هل صرنا أكثر تفهماً لحياة الناس من حولّنا؟ أوَ لسنا مُتسرعين في دينونة الآخرين ونصبّنا أنفسنا حُكاماً على حياتهم؟ كم من عوائل تتألم اليوم بسبب ثرثرتنا الفارغة وكلماتنا القاتلة؟ كم من عوائل تفّرقت بسبب تراكضنا خلف المال والامتيازات؟ كم من صداقات تهدمت بسبب إتهامات باطلة؟ مّن منّا له الجرأة ليرى خطيئتهُ ويُفكر جديا ًفي تغيير حياتهِ ويسمح لنعمة الله أن تُغيّره؟ إن كُنا نؤمنُ بأن ربّنا يسوع هو مُخلّصنا وهو حاملُ خطايانا، أولاَ يجدر بنا نحن أيضاً أن نحمل ضعفَ بعضنا بعضاً؟ فهل نحنُ مستعدون لأن نحمل خطايا مَن نعيشُ معهم ليجدوا في محبّتنا الخلاص من شرّ المُجرّب الذي يجّرهم إلى الخطيئة؟ مَن منّا له الشجاعة ليكون قبراً لثرثرات العالم البغيضة، وقصصهم القاتلة وكلماتهم الجارحةِ؟ هل تأملنا ملياً في الصليب الذي عليه سمّر ربّنا كل شرور العالمِ، بل حملها إلى الله لا دياناً بل طالباً لنا الغفران. فكيف أتجرأ فأدينَ الناس على خطاياهم وأفتخر بذلك وكأنها إنجازاتي الشخصية؟ ربّنا يُريدنا أن نحمل معه خطايا العالم، ونُكمِل في أجسادنا ما نقصَ من آلام المسيح، ونواجه الإهانة بالمودة، والإساءة باللطف. فهذا يُسهِمُ في تغيير المسيءِ وخلاصهِ من الشر الذي سجنهُ. ربنا يُريد أن يُخلصنا من تعب التراكض خلف وهم: "أنا الأول" "أنا الأهم" "أنا الأفضل"، ونقبل بإيمان: "أنا إبنُ الله المحبوبُ وهذا يكفيني".

لقد وجدَ الرُسل السلامٍ والراحة مع إلهنا، بل ينطلِق ليُعلِنَ البشارة: "لقد وجدنا الماشيحا"، المُخلِص، ويدعو آخرينَ ليأتوا إلى يسوع، وهكذا تُبنى الكنيسة. كنيسة مبنية من قلوب مؤمنين لا تقوى عليها أبواب الجحيم، لأنها كنيسة بشرٍ وليست كنيسة حجارة. الكنيسة التي جعلها ربّنا جسده، حيث يلتقينا ويُباركنا بحضورهِ. ولكن المطلب الأول هو أن نكون بقُربهِ هو وفي القُربِ منه أَمانٌ كبير. 

 

الثالث من الدنح

قراءة 38169 مرات

1875 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *