المواعظ
%PM, %25 %498 %2016 %13:%أيلول

الأحد الثاني من الصليب - أفرحوا في الرب

كتبه
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الأحد الثاني من الصليب

أفرحوا في الرب (فل 3: 1- 14)

    "أفرحوا في الربّ"، هذه كانت دعوة الرسول بُولس لكنيسة فيلبي، وهي دعوة موجهةٌ لنا أيضا فلا يُمكن أن يكون المسيحي إنساناً حزيناً أو يائساً. بالطبع، لا يتحدّث بولس عن سعادة مؤقتة كتلك التي نشعر بها عندما نُحقق واحدة من رغباتنا، بل يُبشرنا بـ"فرحِ القلب"، وهو فرحٌ أبدي صارَ له نعمةً لأن الربَّ إلتقاهُ، فُولِدَ إنساناً جديداً. كان فريسياً وحرِصَ على أن يُكمِل كل الوصايا التي كانت الشريعة تأمر بها، وغيوراً على إيمانهِ فأضطهدَ الكنيسة، وكان يشعر بالسعادة ظناً منه أنه يُرضي الله بذلك، إلا أنها كانت خبراتُ "فرح منقوص"، فهناك الكثير ليعملهُ لينالَ فرحَ الله ورضاهُ. الله، ولأن أبٌ مُحبٌّ دعاهُ بيسوع المسيح الذي خرجَ للقائه وحملهُ على كتفيهِ وجعلَ اللقاء معه عُرساً فعدَّ بولُس كل شيءٍ خسارة من أجل يسوع الذي افتادهُ. لقد أصبح إنساناً فرحاً لا لأنه أكمل الوصايا، بل لأنه شعرَ ومن خلال لقاء الربِّ به أنه محبوب بشكل مميز من قِبلِ الله بيسوع المسيح، نظرَ إليه ربّنا يسوع، ففرِحَ وأظهرَ هذا الفرح لجميع مَن جعلهم الربُّ في طريقه.

   نحن إذن كنيسة الفرح لأننا كنيسة تحمل يسوع المسيح إلى العالم والذي أرسلَ الروح القُدس ليكونَ معنا فأثمرَ فينا فرحاً ومحبة وسلاماً ولطفاً وتواضعا وصبراً (غلا 5: 22- 23)، عندما تظهر هذا الفرحَ في حياتنا نشهدُ للناس من أن الروح فاعلٌ فينا ومن خلالنا، والعكس يصحُ أيضاً. الفرح عطيّة ربّنا يسوع المسيح لنا: "ليكون فرحي فيكم وليتمَّ فرحُكم" (يو 15: 11)،  فصارَ سمةُ حياة كل مسيحي وبُرهانٌ على حياة الروح فيه إذن. السؤال هو: كيف لنا أن نكون "جماعة (كنيسة) الفرح"؟ كيف لنا أن نكون "كنيسة الفرح" ونحن نحمل صليب الإضطهاد والتهجير والقلق من المُستقبل الغامض؟

فرح الرسول بولس مُؤسس على لقاء الرب يسوع به، والذي إنتشلهُ على طريق دمشق وجعلَ منه رسول محبّة الآب. لقد عادَ بولس وإسترجعَ ماضيهِ كلّه، لا إنجازاتهِ بل تذكّر مراحمَ الربِّ معهُ والتي كانت معه حتّى في الساعات التي كانت متوهماً فيها أنه يُرضي الله. هو يدعونا لنسترجِع ماضينا ونتذكر بإمتنان تدبير الله المُحِب لنا وبشكل شخصي. هنا، علينا أن نكون صريحين مع أنفسنا، فمراحمهُ غزيزةٌ معنا، ونحن مراراً ما ننساها لأننا نعيش في أحزاننا وهمومنا، شكوكنا وحيرتنا، والحال، الربٌّ عظيمٌ فيما وهبَ لنا. ربّنا إلتقانا على نحوٍ شخصي مميزٍ، ويدعونا لأن نبني على هذا اللقاء. هي خبرة شخصية علينا أن نتوقف عندها بامتنانٍ، كلٌّ بشكلٍ شخصي وهبَ له الله أن يتعرّف إليه.

   لذا، قال بولس اليوم: حسبتُ كلَّ شيءٍ خسارة، هباء من أجل معرفة ربي يسوع الذي أريد أن أعرفهُ هو فقط دون غيرهِ. نحن مهوسون بمعرفة ذواتنا: ما نُريدهُ! ما نرغبهُ! ما نتمنّاه! ما نشعر به! ما يُحزننا! ما يُفرِحنا! بولس يدعونا اليوم قائلاً: لا تكن مهتماً بنفسِك فحسب، أترك كل هذا وأعرف المسيح يسوع، فهذه هي المعرفة التي تُخلصكَ وتفديك وتخلقُك من جديد. ربنا لم يلتقينا ليجعلَ منّا "أناساً صالحين"، بل من أجل أن نولَد إنساناً جديداً. تعرف إذن على يسوع. على أفكاره، رغباته ومشاعره هذه هي المعرفة الأهم. ربّنا قال: في تلك الأيام سيقولون لي: نعرِفُك يا ربّ، أما هو فسيقول لهم: أنا لا أعرفكم. هذه المعرفة تجعل يسوع في المركز لا أنفسنا أو الآخرين، فليس المهم أن أعرِف يسوع، المهم أن يعرفني هو. هذه المعرفة تُخلصنا من ذواتنا وتُخرجنا إلى لقاءِ الآخرين ومحبتهم بذات المحبة التي أحبنا بها ربّنا يسوع، والتي أثمرت فينا فرحاً لا يوصَف.

   الدعوة إلى الفرح كانت أولى كلمات بشارة الملاك لأمنا مريم: "أفرحي يا ممتلئة نعمة". هذه الدعوة لم تجعل مريم أمنا تجلس ساكنةً تستمتِع بما وهبَ الله لها من نعمةٍ، بل خرجت تبحث عن إليصابات لتهبَ لها فرحُ كلمة الله. فرحنا ليس سكوناً، بل رسالة وإرسالية. تُعلمنا أمنا مريم، أم الكنيسة، كيف لنا أن نكونَ جماعةُ الفرح، من خلال خدمةُ المحبة التي تسيرُ من أجلها الطُرقات لتبحث عن الآخر المُحتاج وتتقاسم معه خبرة فرح حضرور الكلمة فيها، ولتسمعَ وتُسمِعَ كلمة فرحٍ وتعزيةٍ وتُعطي بمجانية. نحن نُعطي، ولكننا نُعطي لنأخذَ أكثر، لذا، لن نستمتِع بفرحِ الله. نحن نتحدث إلى الناس، ولكننا لا نتحدث إليهم بكلمة الله مثلما فعلَت أمنا مريم. نحن نستسلم لتجربة الإحباط واليأس أمام هول الشر الذي نختبرهُ، أما مريم فتنشد "الرجاء" الذي صارَ حقيقة حياة. نحن نتنافس فيما بيننا، ونتفاخر فيما نُنجِز عوض أن نتكامل معاً ونفتخِر فيما حقق الله فينا. تعودّنا أن نتذمّر من قسوة الأيام ومرارتها، وأمنا مريم راحت تُمجّد عظائم الله معها، والتي ستجعلها تتشرّد وتُهجَر إلى مصر وتعود لتقبلَ إبنها يوماً مصلوباً، ولكنها بقيت أمينة تُصلي مع الكنيسة ولأجل الكنيسة. 

 

 

05606c455ae583

قراءة 8889 مرات آخر تعديل على %PM, %09 %509 %2016 %14:%تشرين1

349 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *