مقالات عامة
%AM, %15 %322 %2013 %09:%تموز

حب الله ومواهبه

كتبه
قيم الموضوع
(0 أصوات)
حب الله ومواهبه ديانتنا المسيحية مجموعة كبيرة متنوّعة من أفكار ومعتقدات ورموز وخبرات وممارسات ومواقف. فممكن السؤال: ما في كل هذه الأشياء الكثيرة أهم شيء؟ أعمق شيء؟ أكثر شيء جوهرياً؟. الشيء الذي لا
حب الله ومواهبه ديانتنا المسيحية مجموعة كبيرة متنوّعة من أفكار ومعتقدات ورموز وخبرات وممارسات ومواقف. فممكن السؤال: ما في كل هذه الأشياء الكثيرة أهم شيء؟ أعمق شيء؟ أكثر شيء جوهرياً؟. الشيء الذي لا يُستغنَى عنه أبداً في الديانة المسيحية؟ -نجد نفس السؤال بأسلوب آخر في إنجيل مرقس (12: 28): أحد الحاخاميم (العُلماء) يسأل يسوع: أيةُ وصية هي أولى الوصايا جميعاً؟- فيسوع يجاوب: "أولى الوصايا جميعاً هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهُنا، الرب وحده. فتُحِب الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل فكرك وبكل قوتك" (12: 29). في تاريخ الأديان هذا استثناء. لا يوجد في أي مكان أو حضارة إله أو آلهة يأتون الإنسان بمثل هذا الأمر الغريب. أصالة ديانة الكتاب المقدس قائمة في هذه الكلمات الثلاث: حب، أنت، الله، مرتبطة بين بعضها في صيغة الأمر، وملفوظة بفم الله نفسه. إنه جوهر الكشف الإلهي الذي صار لموسى. وينبغي أن نفهم جيداً ما معنى "كشف" هنا. موسى لا يتعلّم مفاهيم او صفات عن الله. كل ما في الأمر هو أن الله "تكلّم"، لا "يُظهِر" أشياء... يتكلّم بالمتكلّم. في كلامه يُثبِّت وجوده ككائن متكلّم. هذا ما صار لموسى. معنى هذا الشيء سوف يتبين في التاريخ التالي: إعطاء الكلمات العشر، إرسال الأنبياء، حياة يسوع الناصري وكلامُه، التاريخ المسيحي. ما هو خاص في هذا التاريخ هو أنه يتحقّق من خلال أشخاص اختارهم الله كمثل الأنبياء ويسوع. والحدث المركزي الدائم في هذا التاريخ هو قطع العهد. والمجاز الكبير لهذا العهد هو: العهد كزواج: الرباط الذي يربطه الله بين نفسه وبين شعبه كمثل بين الزوج والزوجة: شركة حياة شخصية. ولكن هذه العلاقة تتحقّق في العالم ومن خلال العالم. مَن هو الله؟ نتعلّم من هو من خلال ما يعمَله الله فقط. فيعمل ما لم يعمل قط أيُّ إله في تاريخ الأديان: يقطع عهداً مع الناس. ولا يقول مرة واحدة لماذا يعمله. لا يوجد "لماذا؟" إلا "لماذا؟" الحب. ففي ذات التزام الله بشعبه في العهد يبيّن أي شكل إله هو. هو، من كيفه، إله إسرائيل، ومن خلال إسرائيل إله البشر، إلى الأبد. هذا جوهره. ففي تاريخ هذا العهد ينمو الشعور بأن الله هو خالق السموات والأرض. فهكذا يُصبح العالم المخلوق مسرحاً للعهد بين الله وشعبه. الله يبقى غير منظور. يتبيّن من خلال عهده مع شعبه في مسرح العالم الذي يُشرَح بكلامه. كلامه أين يُسمَع؟ في المختارين الذين بكلامهم يُنيرون ما يحدث في العهد. العهد هو من طرفَين: الله يلتزم. ولكن منطق العهد يطلب أن الطرف البشري أيضاً يلتزم: على إسرائيل أن يلتزم. هذا ما يقوله موسى كل وقت، وما يقوله الأنبياء مثل موسى كل وقت، وهذا ما يقوله يسوع أيضاً. في حب الطرف البشري تجاه الله، وتجاه الناس (لأن العهد يتحقّق في مسرح العالم المخلوق، بين الناس) يتجسّم حب الله للناس. يعني: الله من خلال موسى والأنبياء يُرشد شعبه ويُعلِّمهم ليلتزموا بالعهد ويخلقوا لله مجالاً ليكون إلهاً بشرياً. نبدأ الآن نفهم الارتباط الصميم بين حب الله للبشر وبين حب البشر لله. حب الله لنا هو الأول، هو البدء. ولكن حبَّنا له (ولناسه) ينبثق من حبه لنا، بل يترجمه ويجلّيه. الإنسان المتعلّم من موسى والأنبياء (= المتعلم من الله!!) هو يحب بحب الله. الحب الإلهي نفسه يحب فينا الناس. وأريد أن أضيف هنا ملاحظةً مهمة: الحب في الكتاب المقدس ليس عاطفة فقط، وليس عاطفة أولاً الحب في الكتاب يقدر أن يكون بدون عاطفة. الحب التزام، اعتراف بالآخر، عمل في سبيله. والحب شيء قوي، وليس بيضة على النصف!! الغضب له مكان في الحب، الغيظ، الاستنكار... وتاريخ العهد هو تاريخ تطهير وتجربة أيضاً. على الإنسان أن ينمو في الحب. أن يترك الأنانية والإغراض والمصلحة لكي يكون حبُه مثل حب الله. كشف (ترجمة) حب الله يبلُغ قمتَه في الإنسان يسوع الناصري. هو أيضاً مرّ من خلال تطهير وتجارب حتى يكون حبه ترجمة مصدَّقة عن حب الله. في فيل 2: 1-11 نص جميل بهذا الخصوص. الرسول يدعو المؤمنين إلى أن "يتخلّقوا بخُلُق المسيح". نقرأ النص كله. لا اظن أن النص يتكلّم عن وجود يسوع السابق ككائن سماوي. إنما يتكلّم عن تواضُع يسوع واستعداده التام تجاه الله، تجاه كلامه وعمله. لا يقدر الله ان يعطي نفسه إلا للإنسان المتفتح تماماً، الفارغ من كل إغراض ومصلحة ومجد. وكمثل يسوع، نحن أيضاً علينا أن نمرّ من فترات تطهير وتصفية، فنتعلّم الاستعداد. أن تحب الرب إلهك بكل قلبك... الوصية الأولى: حب. أكثر كل العلاقات الإنسانية عمقاً وشمولاً وشخصيةً يخص جميع أبعاد الإنسان: القلب: مركز الشخص، عقله، إرادته، عزمه، ثم النفس: بالعبرية: الكيان الحسي العاطفي، - الفكر: عالم الروح-، القوة: الطاقة والإمكان والممتلكات... وهذه كل مرة بـ "كل": بكل القلب وبكل النفس و... بالطبع، هذه الوصية الأولى الاساسية العميقة تطلب توبة. الإنسان الطبيعي يجب أن يتجاوز طبيعته. جميع أشكال الحب الإنساني يجب تطهُّرها. وليس ذلك أمراً سهلاً... أن نتعلم في مدرسة الله، يوماً بعد يوم، ما معنى الحب الصافي ليس فحسب، بل أن نتعلّم أن نحب فعلاً بهذا الحب الحقيقي دون العودة على الذات.كل الأشكال الإنسانية للحب لها مكانُها ولا يجب أن تُمات، بل يجب أن تُطهَّر. فالإنسان يبقى إنساناً، فمطلوب منه (الوصية!) أن يحب بكل... لكن كإنسان... ليس كملاك. الله يريد ترجمة إنسانية عن نفسه وحبه. وما نقول الآن عن مواهب الله؟ المؤمن المتعلّم في توراة الله، في مدرسة عهد الله، تَعلّم ويتعلّم كل يوم أن يرى كل الخليقة مع كل ما فيها ومع كل ما يحدُث فيها كمسرح العهد بين إلهنا وبيننا. كل شيء يأخذ لمعان العهد للمؤمن. طبعاً، العالم يبقى عالماً ولا يصبح شبه إله. العالم مثلما هو مُبهَم فيحتاج الى تمييز وغربلة. لايوجد شيء يحكي مباشرة عن الله دون أن يمرّ من خلال نقد الإيمان. ولكن المؤمن المتدرّب يعرف ان يميّز ويكتشف علامات وإشارات إلى الله في حياته. فمن كان تَعوَّد على صلاة الشكر في كل شيء: شكر على كوب ماء بارد، شكل على الأكل، شكر على النور، على الأصدقاء، على كل شيء، هذا الإنسان المؤمن الشاكر يتعلّم أن يرى كل شيء في حياته هدية من إلهه الذي يحبّه. وفي الهدية، في الهِبة نرى الواهب. الإنسان المغرض الأناني المحاسِب فقط يسأل عن باقة الورود: "بكم؟". نتدرّب أن نرى الشخص الذي يهب الهِبة، على الصعيد الإنساني، فهكذا يسهل لنا أن نكتشف في كل شيء واهبنا الإلهي.
قراءة 90864 مرات آخر تعديل على %AM, %30 %056 %2015 %03:%تشرين2

985 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *